فصل: الشروط الَّتِي تَشْتَرِكُ فِيهَا الصَّلاةُ والزَّكَاةُ والصِّيَامُ وَالْحج:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إرشاد أولي البصائر والألباب لـنيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب



.الأشياء النجسة هل هِيَ محدودة أَوْ معدودة؟ وصفة ذلك؟

13- هَلِ الأشياء النَّجِسَةُ مَحْدُودَة أَو معدودة؟ وصفةُ ذلِكَ؟
الجواب: أَوَّلاً: يجب أَن يعلمَ أَن الأَصْل في جَمِيعِ الأَشْيَاء الطَّهَارَةُ فلا تَنْجُس، وَلا ينجس مِنهَا إلا ما دل عَلَيْه الشَرْع.
فَهَذَا أَصْلٌ مَحْدُود لا يَشِذَّ عَنْه شَيْء.
وأَمَّا مَا وَرَدَ أَنه نجس:
- فَمِنْهُ مَا هُوَ مَحدُودٌ، ومِنهُ صَوْر مَعدُودَة.
ويجمعُهَا جميعًا: أَنَّها كُلَّها خَبِيثَة.
ولكن محلّ الخبثِ قَد يَخفَى عَلِينَا، فَنَبّهنَا الشَّارِعُ عَلَى مَا يَدُلُّنَا وَيُرشِدُنَا إِلَى ذَلِكَ.
فمِنَ المحدُودِ: أَن الخَارجَ من السبيلين الَّذِي له جرم نجس إلا المني.
فَإِنَّهُ: صَح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - طَهَارَتُهُ.
وأَنهُ: يَنبَغِي فَرْكُ يَابِسه وَغَسْل رَطْبه.
وَمِنَ المحدُودَةِ:
- أَن مَا حَرُمَ أَكْله، وَهُوَ أَكْبَرُ من الهِرَّ خِلْقَة: فإنَّهُ نَجَس؛ كَالْكَلْبِ، والخنْزِيرِ، وسباعِ البَهَائِمِ.
فَهَذِهِ جَمِيعُ أَجْزَائِهَا، ومَا خَرَجَ مِنهَا: نَجِسٌ.
وَلا يستثنى مِنهَا شَيءٌ؛ عَلَى الْمَشْهُور من الْمَذْهَب.
والصَّحِيحُ: أَن الحِمَارَ والبَغْلَ ريقهُ وعرقُهُ وَشَعْره ومَا خَرَجَ من أَنْفِه طَاهِر بِخِلافِ بوله وَرَوْثه وَأَجْزَائِهِ فإِنَّها خبيثةٌ نجسةٌ.
لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يركبهما وَالصَّحَابَة - رضي الله عنهم -، وَلم يأمرْ بِتَوَقِّي عَرَقِهَا وَرِيقِهَا وَشَعرِهَا.
وهيَ أَوَلَى مِن طَهَارَةِ سُؤَرِ الهرّ الَّذِي ثَبتَتْ طَهَارَته.
وَعَلَله - صلى الله عليه وسلم -: بـ « أنَّهُن من الطَّوَّافِينَ عَلَيكُم وَالطَّوَّافَات ».
ومشقة ملامَسَةِ الحَمِيرِ وَالبغَالِ، أشقُّ مِنَ الهِرّ بكَثِيرٍ، وَأُولَى بِالإِبَاحَةِ وَالتَّطْهِير.
- وَأَمَّا مُحَرَّمُ الأكلِ: مِمّا هُوَ مثل الهر أو أصغر مِنه:
فإِن سُؤْره وَرِيقَهُ وَعَرَقه طَاهِر.
وأَمّا بوله، وَرَوْثه، وَجَمِيع أَجْزَاء لحمِه: فَإِنَّهُ نَجَس.
سوَى مَا لَيْسَ لَهُ نَفْس سائِلَةٌ فإن جَمِيعَ أجزَائِهِ طَاهِرَة كـ: العَقرَبِ وَالذَّبَّاب ونحوِهمَا.
- وَأَمَّا مَأْكُول اللحمِ: فَكُلّ مَا مِنْهُ طَاهِر سوَى الدمِ، وَمَا تولد مِنَ الدمِ من قَيحٍ وصَدِيدٍ.
ومنَ المحدُودِ منَ النَّجَاسَات: جَمِيعُ الميتَاتِ سوَى مَيتَةِ الآدِمِي وَالسَّمك والجَرَادِ، وَمَا لا نَفسَ له سائِلَة: فَإنّهَا طَاهِرَةٌ.
ومن المحدُودِ أَيْضًا: كُلُّ مُسكِرٍ، مَائِعٍ نَجِسٍ مِنْ أَيِّ نَوْع كَانَ.
ومِنَ المحدُودِ أَيضًا: أَن جَمِيعَ الدِّمَاءِ نَجِسَةٌ إلا:
- دم مَا لا نَفْسَ لَهُ سَائِلَة.
- ومَا يَبقَى بَعدَ الذبح في الْعُرُوق وَاللَّحْم فَهُوَ طَاهِرٌ
وإلا: دم الشهيدِ عَلَيهِ خَاصَّة.
وَلِهَذَا كَانَ الدمُ ثَلاثَةَ أَقسَامٍ:
1- طَاهِرٌ: كَهَذِهِ الْمَذْكُورَات.
2- ونَجِسٌ لا يُعفَى وَلا عَن يَسِيرِه: كَدَمِ الكَلْبِ وَالسِّبَاع.
3- ونَجِسٌ يُعفَى عَن يَسِيرِه: وَهُوَ مَا سُوَى هَذينِ.
فَصَارَ الْدم أَصْلُهُ النَّجَاسَةُ كمَا بيّنا.
وقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا ومما تقدم: أن الخَارِجَ مِنْ بَدَنِ الإنسَانِ ثَلاثَةُ أَقسَامٍ:
1- نجس يُعفَى عَنْ يَسِيرِهِ: كَالْبَوْلِ، وَالْغَائِط.
2- وَنَجَس يُعفَى عَن يَسِيرِهِ: كَالدَّمِ، ومَا تَوَلّد منْه، والقَيء عَلَى المَذْهَب.
وكذَا المذيُ عَلَى الصَّحِيحِ.
3- وَمَا سُوَى ذَلِكَ، فَطَاهِر: كَالرَّيقِ، والبُصَاقِ، وَالنّخَامَة، والمخاط وَالعَرَقِ، وَمَا سالَ مَنْ الفَمِ وَقْت النَّوْمِ، وَصَمْغِ الأُذُنِينَ، وَغَير ذلك والله أعلم.
وَمِنَ النَّجِسِ غَيْر مَا تَقَدَّمَ: الحَشِيشَةُ الْمُسْكِرَة.
الفارق بين: دم الْحَيْض ودم الاستحاضة وَدَم النفاس
14- مَا هُوَ الفارق بَيْنَ دَمِ الحَيضِ وَدَم الاسْتِحَاضَة وَدَمِ النِّفَاس؟
الجواب: وَبِاللَّه التَّوْفِيق.
هَذِه الدِّمَاء الْمَذْكُورَة تَخْرُجُ من محَلّ وَاحِد.
ولكن تَختَلِفُ أَسْمَاؤُهَا، وَأَحْكَامهَا، بِاخْتِلاف أسبَابِهَا.
فَأَمَّا دَمُ النِّفَاس:
فسببه ظَاهِرٌ.
وَهَوّ: الدم الخَارِجُ مِنَ الأُنثَى بِسَبَبِ الْوِلادَة.
وَهُوَ: بقيَّة الدَّم المحتَبَسِ وَقْت الحَمْلِ في الرَّحِمِ.
فإذَا وُلِدَتْ خَرَجَ هَذَا الدم شَيئًا فَشَيئًا، وَمَا تولد بَعْدَ الْوِلادَة.
وَتَطُولُ مَدَّته، وقد تَقصُر.
أَمَّا أقلّهُ: فَلا حَدّ له قَوْلاً واحِدًا.
وَأَمَّا أكثرهُ: فَعَلَى المذْهَبِ مَا جَاوَزَ الأَرْبَعِينَ، وَلْم يُوَافق عادَةَ حَيضٍ فَهُوَ استحاضَةٌ.
وعَلَى الصَّحِيح: لا حد لأَكْثَرِه كَما يَأتي التَّنبِيهُ عَلَى دليله في مَسْأَلَةِ الْحَيْض.
وأَما الدم الذي يَخرُجُ بِغَيرِ سَبَب الوِلادَةِ:
فَقَد أَجرَى اللَّهُ سُنتهُ وعَادَتهُ: أن الأُنْثَى إِذَا صَلُحَتْ للحَمْلِ وَالْوِلادَة يأْتيهَا الحَيضُ غَالِبًا في أَوْقَات مَعْلُومَة بِحَسَبِ حَالِتهَا وَطَبِيعتِهَا.
وَلِذَلِكَ مِن حِكمَةِ وُجُود الدم:
مِنهَا: أنه أَحَدُ أَركَانِ مادة حَيَاةِ الإِنسَانِ، ففِي بطن الأُمِّ يَتَغَذَّى بالدم وَلِهَذَا ينحبسُ غَالِبَا فِي الحملِ.
وَإِذَا كَانَ هَذَا أَصْلهُ وَهُوَ الْوَاقِع الْمَوْجُود؛ عرِفَ أَن أَصلَ الدم الخَارِجِ مِنَ الأُنْثَى حَيضٌ؛ لأَن وُجُوده في وَقْته يَدلُّ عَلَى الصَّحَّة وَالاعْتدَال وَعَدَمه يدل عَلَى ضِدّ ذلك.
وَهَذَا المعنَى متَّفَقٌ عليه بَيْن أَهلِ العِلمِ بِالشَّرْعِ وَالعِلم بالطِّبِّ بَل مَعَارِفُ النَّاسِ وَعَوَائِدهمْ وتجارِبهم دلتهم عَلَى ذلِكَ.
وَلَذَلك قَالَ العُلَمَاءُ فِي حَدِّه: هو دَمُ طَبِيعَةٍ وَجِبِلَّةٍ يأتي الأُنثَى في أوَقَاتٍ معرُوفَةٍ.
وَالتَّسمِيَةُ تَابِعةٌ لِذَلِكَ.
والشَّارِعُ أَقرَّ النِّسَاءَ عَلَى هَذِه التَّسمِيَةِ لهَذَا الدمِ الخَارِجِ مِنْهُنَّ وعَلَّقَ عَلَيْهِ من الأَحكَامِ الشرعِيةِ مَا عَلَّقَ.
فَفَهِمَ النَّاسُ عَنه هَذِهِ الأحكَامَ وَعَلَقُوهَا عَلَى وُجُودِ هَذَا الدَّمِ ومَتَى زَالَ زَالَتْ؛ لأَن الحكْمَ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِه وُجُودًا وَعَدمًا.
فَلِهَذَا كَانَ الصَّحِيحُ بَلِ الصَّوَاب الْمَقْطُوع بِهِ:
- أَنْهِ لا حَدَّ لأَقلِّ الحَيْضِ سِنًّا وزَمَنًا وَلا لأَكثَرِه.
وَلا لأَقلِّ الطُّهْر بين الحيضَتَينِ.
- بَلِ الْحَيْض هَوّ وجودُ الدمِ، والطَّهرُ فَقدُهُ.
- ولوِ زَادَ أَو نقصَ أَو تَأَخر أَو تقدَّم لِظَاهِر النُّصُوص الشَّرعِيَّة، وظاهِرِ عَمَل الْمُسْلِمِينَ، وَلأَنُهْ لا يَسَعُ النِّسَاءُ العَمَلَ بِغَيرِ هَذَا الْقَوْل.
وأَمَّا المَشْهُور مِن المذهَبِِ:
- فَإِن أَقَلَّ ما تَحيضُ فِيهِ الْمَرْأَة تِسعُ سنين.
- وَأَكثرُهُ خَمْسُونَ سَنَةً.
- وأَقلّ مدَة الحيَضِ يَومٌ وَلَيلة.
- وأكثَرُهُ خَمسَةَ عَشَرَ يَومًا.
- ومَا خَرَجَ عن هَذَا فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ لا تُترَكُ لَهُ العِبَادَة.
- وإنْ زَادَ عَنِ العَادَةِ أو تقدم أو تأخرَ لَم تصر إِلَيْهِ حتَّى يتكرَّرَ تُلاثًا فيَصِيرُ عادَةً تنْتقِلُ إِلَيْهِ ثم تَقضِي مَا صَامته أو اعتكفَتهُ ونحوه.
وَحَجَّتهمْ عَلَى هَذَا الْقَوْل - بعضه لا كلّه -: أن هَذَا الْمَوْجُود الْغَالِب وَما خَرَجَ عَنهُ نَادِر.
وَالأَصْل: أن النَّادِرَ لا يثبت له حكم.
وَهَذِهِ حَجَّة ضَعِيفَةٌ جِدَّا فَإِنَّ الْوُجُود يَتَفَاوَت تَفَاوُتَا كثيرًا.
وبالإجماع: أن النِّسَاءَ يَتَفَاوَتْنَ فِي هَذِهِ الأُمُور تَفَاوُتَا ظَاهِرًا.
والأسمَاءُ ثَلاثَة أقْسَامٍ: شرعية ولغَوِيَّة وُعُرفية.
وَكُلُّهَا تتَطَابَقُ عَلَى أَن هَذَا الدَّمَ حَيضٌ، وَأن عَدَمَه طُهْر.
فَلا أبلغَ من حُكمٍ اتفَقَّتْ عَلَيْهِ الْحَقَائِق الثَّلاثُ.
فَعَلَى المذهَبِِ:
الاستحاضَةُ: مَنْ تَجَاوُز دَمُهَا خَمسَةَ عَشَرَ يَوِمًا.
أو كَانَ دمًا غَيرَ صَالِحٍ للحَيضِ؛ بأَن نَقصَ عَن يوِمٍ وَلَيلةٍ.
أو كَانَ قبل تِسعِ سِنِينَ أَو بَعْدَ خَمسِينَ سَنَة.
وأَمَّا عَلَى القَولِ الصَّحِيحِ: فالحيَضُ: هُوَ الأَصْلُ، والاستِحَاضَةُ: عَارِض لمرضٍ أَو نحوِه.
مِثلَ: أَن يطبقَ عَلَيهَا الدَّم، أو تَكون شَبِيهةً بالمطبقِ عَلَيهَا الدَّم بأَنْ لا تَطَهُّر إِلا أَوَقَاتًا لا تذْكر.
وَعَلَى كُلّ: فَإِنَّهُ إذا ثبت استِحَاضَتُهَا.
فإِنْ كَانَ لهَا عَادةٌ قَبلَ ذَلِكَ: رَجَعَتْ إِلَى عَادَتِهَا.
فَصَارَتْ العَادَةُ: هِيَ حَيضُهَا.
وَمَا زَاد فَهِيَ استِحَاضَةٌ تَغْتَسِلُ وتتعبد فِيه.
وَإِن لَم يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ: وصَارَ دَمُهَا مُتَمَيِّزًا بعضه غَلِيظ وَبعضه رَقِيق أَو بَعْضُهُ أسود وبعضُهُ أَحمرُ أو بعضُهُ منتن وبعضُهُ غير منتن.
فَالْغَلِيظ وَالأُسُود والمنتن: حيضٌ.
والآخر: استِحَاضَة.
ولكن على المذهَبِِ: يَشْتَرِطُونَ في المتميزِ:
أَنْ يَكُونَ صَالِحًا للحيض، لا ينْقصُ عن يَوِمٍ وَلَيلةٍ، وَلا يزيد عَلَى خَمسةَ عَشَرَ يومًا وَنَحْو ذَلِكَ مما هَوّ عَلَى أَصلِ الْمَذْهَب.
وَالصَّوَاب: عَدَمُ اعتبارِ ذَلِكَ كَما تقدَّم.
فإنْ لَم يَكُن لَهَا عَادَةٌ وَلا تَمْيِيز: جَلَسَتْ مِن كل شَهْرٍ غَالِب الحيَضِ ستَّة أَيامٍ أَو سبعة.
للأَحاديثِ الثَّابِتَةِ في ذَلِكَ.
ثم تغتَسِلُ إذا مَضَى المَحْكُوم بأنه حيض، وتسدُّ الخارِجَ حَسْب الإِمكَانِ وَتَتَوَضَّأ لوِقتِ كُلِّ صَلاةٍ، وَتَصَلِّي بِلا إِعَادَة.
فظهر مما تقدم:
أنَّ دَمَ النِّفَاسِ: سببه الْوِلادَة.
وأَنَّ دَمَ الاسْتِحَاضَة: دم عارِضٌ لمرضٍ وَنحوِه.
وأَنَّ دَمَ الحَيضِ: هُوَ الدم الأَصْلِيّ وَاللْهُ أَعْلَم.

.التيمم هَلْ ينُوبُ مَنَابَ طَهَارَةِ الماءِ في كل شيء أم لا؟

15- إِذَا جَازَ التَّيَمّمُ للعَدَمِ أَو للضَّرَرِ. هَلْ يَنُوبُ مَنَابَ طَهَارَةِ الماءِ في كُل شيء أَمْ لا؟
الجواب: حَيْثُ جازَ التيمم لِعُذْرِه الشَّرْعِيّ، وَهُوَ عَدَمُهُ أو خَوْفه بِاسْتِعْمَالِهِ الضرر؛ فإنَّه ينوب مَنَابَ طَهَارَةِ الماءِ في كُلِّ شيءٍ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَهُوَِ ظَاهِرُ النُّصُوص.
وَهُوَِ إِحدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ الإمامِ أَحمدَ.
فَعَلَى هَذَا:
- لا يُشْتَرَطُ لَهُ دخول وَقتٍ.
- ولا يبْطل بِخُرُوجِهِ بل بِمُبْطِلات الطَّهَارَةِ.
- ولو تيمَّمَ للنَّفلِ اسْتَبَاحَ الفرضَ كما يَسْتَبِيحهُ في طهارةِ الماءِ وذَلِكَ أَن البَدَلَ يَقُوم مَقَامَ الْمُبْدَل.
وَيَسُدُّ مَسَدّه إلا ما دل دَلِيلٌ على خُرُوجه عن هذا الأَصْل، ولم يرد.
والمشْهُورُ مِنَ المذهَبِِ: أَنَّهُ مَثْله فِي أَكْثَرِ الأَشْيَاءِ.
فَيُسْتَبَاحُ بِهِ مَا يُسْتَبَاح بِطَهَارَة الْمَاء من صَلاةٍ وَغَيْرِهَا.
ولكن يُخَالِفُ طهارةَ الماءِ في أُمُور منها:
- أنّهُ يُشْتَرَط لَهُ دخول الوَقْتِ.
- وَأَنْهِ يبْطل بِخُرُوج الْوَقْت مُطْلقًا.
- وَأنْهَ لَوْ تيمَّمَ للنَّفْلِ لم يُستَبَح الفَرضُ.
- وأَنَّهُ لا يستبيح بِه إلا ما نَوَاهُ أَو كَانَ مَثْله أَو دَوْنه لا أعلَى مِنْهُ.
وَاحْتَجُّوا عَلَى هَذَا: بأَنَّهَا طَهَارَةُ اضطرارٍ فَتُقَدَّرُ بِقَدْرِ الحَاجَةِ.
وَهَذَا الاسْتِدْلالُ ضَعِيفٌ، وهو مَنْقُوض أَيْضًا:
أمَّا ضَعْفُهُ: فلأَن هَذِه الطَّهَارةَ عِندَ وُجُود شَرْطهَا المبيحِ طهارة كاملةٌ كما سمَّاهَا اللَّه تَعَالَى، لما ذَكَرَ الطَّهَارَة بِالْمَاءِ ثم بالتَّيمُّمِ قَالَ:{مَا يُرِيدُ اللَّه لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم من حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُم وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 6 ]، فلَيْسَتْ بمنْزلةِ أَكْلِ المِيتَة للمضطرَّ، فإِن التَّحريمَ بَاقٍ ولكنْ لأجْل اضطرارِه وَخَوْفه التَّلف أبيح ذَلِكَ.
وأَمَّا التيمم مَعَ تعذر الْمَاء: فإِنَّه عِبَادَة نَابَتْ مَنَابَ عِبَادَةٍ أُخرَى عِندَ العُذْرِ، فَيَقْتَضِي أَنَّها مِثلُهَا مِن كُلِّ وَجْه، نعم هي طهارةُ اضْطِرَارٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى شَرْطهَا الذي هُوَ تَعَذُّر استعمالِ الْمَاء.
فما دَامَ هَذَا الشَّرْطُ مَوْجُودًا فَطَهَارَة التيمم صحيحة.
وَمتَى زَالّ وَوُجِدَ الماءُ وَزَالَ الضرر: بطل التيمم.
هَذَا الذي دل عَلَيْهِ الدلِيلُ، ثم قَوْلهمْ: أبيح بِقَدرِ الضرُورَةِ مَمْنُوع بالإِجْمَاعِ. فإنه لا يقول أَحَدٌ: إِنَّهُ يَجِب أَن يَتَيَمَّم عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ يُصَلِّيهَا فرضًا أو نفلاً، وَإِنَّهُ يُقْتَصَر عَلَى الفَرضِ بَل عَلَى الْوَاجِب منه.
كَما قَالُوا فِيمَنْ تَعذرَ عَلَيهِ الطَّهَارَة بالماءِ وَالتِّرَاب مَعَ أنه ضَعِيفٌ أيضًا.
فإِن من تعذر عَلَيهِ ذَلِكَ: فَلا يُكَلِّفُ اللَّه نَفسًا إلا وُسْعهَا.
فإِن جَمِيعَ الْوَاجِبَات الشَّرْعِية: إنما تجب مع القدرةِ عَلَيْهَا، فإذا عجز عنها سَقَطَ وَجُوبُهَا على العبد.
وَهَذَا مُطَّرِدٌ في جَمِيع أَرْكَانِ الصَّلاةِ، وَشُرُوطهَا، وَوَاجِبَاتِهَا، والحمد لله رب العَالمينَ.

.أسئلة من كتاب الصلاة:

وقد يتناول غيرها من بقية العبادات

.الشروط الَّتِي تَشْتَرِكُ فِيهَا الصَّلاةُ والزَّكَاةُ والصِّيَامُ وَالْحج:

16- مَا هي الشروط الَّتِي تَشْتَرِكُ فِيهَا الصَّلاةُ والزَّكَاةُ والصِّيَامُ وَالْحج أَو يشترك فِيهَا اثْنَانِ مِنْهَا فأكثر والتي يتفرَّد بِهَا كُلُّ وَاحِدٍ منهَا؟
الجواب: وباللَّهِ التَّوفِيقُ والإِعانَةُ، ونسألهُ الهِدَايَةَ إِلَى الصَّوَاب.
اعلم: أَن هذه العباداتِ الأَربَعَ هي مَعَ الشَّهَادَتَيْنِ، أَرْكَانُ الإِسلامِ الَّتي ينبني عَلَيهَا، وَهْي أَعْظَم مُهِمَّاتِ الدِّينِ، وَأَكبَرُ مَا يُقَرَّبُ إِلَى رَبِّ العَالَميْنِ وَرِضَاهُ وَثَوَابه.
وفيهَا: مِنَ الفَضَائِلِ الإِيمَانِيَّةِ والأَخْلاقِيَّةِ وَالأَعْمَال ومحاسنِ الدِّين ومصالِحِ جميعِ المسلِمينَ مَا لا يَدخُلُ تَحْتَ الحَصْرِ والحَدِّ.
وفِيهَا: مِنْ تَكمِيلِ الإسْلامِ، وتحقِيقِ الأَيْمَان، وقِيَامِ شَعَائِرِ الدِّينِ وَزِيَادَةِ الإيمَانِ، وتكفِيرِ السَّيْئَات، وَزَيَادَة الحسَنَاتِ، وعُلُوِّ الدَّرَجَاتِ وَصِلاح الْقُلُوب والأرواحِ والأبدانِ والدَّنيا وَالأَخَرَة، وغيرِ ذلِكَ مما هُوَ مَعْرُوف.
فَكَلّ هَذِه المصَالِحِ اشتَرَكَتْ فِيهَا، وإن اختَصَّتْ كُلُّ وَاحِدَة مِنهَا بمَا اختصَّتْ به، ثم إِنَّهَا اشْتَرَكَتْ كُلّهَا في: وُجُوبها عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
فَالإِسْلام:
هُوَ الشَّرطُ المشتَرَكُ؛ لأَن الْمُسْلِمِينَ همُ الَّذِينَ الْتَزَمُوا مَا جَاءَ بِهِ الشَّرْع وهَذَا أَعْظَمه.
وأَمَّا غَيْرُ المسلمِينَ: فَيُؤْمَرُونَ بالإِسْلامِ، ولا يُخَاطَبُونَ بهَذِه العِبَادَاتِ الأَرْبَع ابتداء، وإِنْ كَانُوا يُعاقَبُونَ على تركها في الآخرة كما يُعَاقَبُونَ على تركِ الإِسلامِ.
واشتَرَكَتْ كُلُّها أَيضًا: باشتِرَاطِ القُدْرَةِ عَلَيهَا.
إِذْ القُدْرَةُ هي مناطُ الأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي.
فمن لا يَقْدِرُ عَلَى الشَّيء لا يُلزَمُهُ فِعْلهُ.
وَمَنْ لا يَقْدِرُ عَلَى التَّركِ بَل هُوَ مُضْطَرّ: فَلا حَرَجَ عَلَيْهِ، وَلا يُكَلّف اللَّه نفسًا إلاّ وُسعَهَا.
ولكْنِ تختَلِفُ القُدرَةُ فِيهَا بحسَبهَا:
فالقُدْرَةُ عَلَى الصَّلاةِ: ثُبُوتُ العَقْلِ.
وَلِذَلِكَ قَالَ الفُقَهَاءُ: وَلا تَسقُطُ الصَّلاةُ مَادَامَ العَقلُ ثَابتًا، فيصلي قائمًا، فإِن عَجَزَ فقَاعِدًا، فإِن عَجَزَ فَعَلَى جَنْبه، وَيُومِئ برأسه، فَإِن عَجَزَ فيُومِئُ بطرفه، فإِنْ عَجَزَ استحضَرَ ذلكَ بِقَلْبِهِ.
هَذا الْمَذْهَب. وعند الشَّيخِ تَقِيٌّ الدِّين: الإِيماءُ بالرَّأْسِ آخِرُ الْمَرَاتِب؛ لأَن غيرَهُ لم يثبتْ بهِ الحَدِيث.
وهذا أَصَحُّ، والأَوَّلُ: أَحْوَط.
وأَمَّا القُدْرَة في الزكَاةِ: فهوِ ملكُ نصابٍ زَكوِي.
وأَمّا القدرَةُ عَلَى الصِّيَام: فهِيَ القدرَةُ عَلَيهِ مِنْ غيرِ ضَرَرٍ يلْحقهُ.
ولهذَا يَسقُطُ عن:
- الكَبِيرِ الَّذِي لا يَقْدرُ عَلَيْهِ.
- والمريضِ الْمَأْيُوس من بُرئهِ، وَيُطْعِم عَنْ كلِّ يومٍ مِسْكِينًا.
- وَأمَّا الَّذي يرجَى برؤه فيؤَخِّرُه إِلى البُرءِ.
وأمَّا القدرَةُ عَلَى الْحجْ: فهِيَ مِلْكُ زادٍ ورَاحِلَةٍ فاضِلين عَن ضَرُورَاته وَحَوَائِجه الأَصْلِيَّةِ.
فهَذَا الشرط اشتَرَكَتْ فيه كَمَا تَرَى، إلاّ أَنهُ فسّر بكُلِّ واحدةٍ بما يُنَاسِبهَا شِرْعًا.
وأمَّا التَّكْلِيفُ: وَهُوَ الْبُلُوغ والعَقْل.
فتشتركُ فيهُ: الصَّلاةُ، وَالصِّيامُ، وَالْحَحْ.
لحديثِ: « رَفْع القَلَمُ عَن ثَلاثَةٍ: النَّائِمُ حَتَّيَ يسْتَيْقِظَ، وَالصَّغِيرِ حَتىَّ يبْلَغ، وَالْمَجْنُون حَتَّى يُفِيقَ ».
فمن لا عَقلَ لَهُ، أَوْ لَمْ يبْلُغ: فَلا صَلاةَ عَلَيْهِ، وَلا صِيَامَ، ولا حَجّ؛ لأَن هذِه أعمالٌ بدنية محضَة، أو مَعَهَا مال كَالْحَجِّ.
وَهَذَا مِنْ حكمَةِ الشَّارِع: أن مَنْ لا عَقلَ لَهُ بِالْكُليةِ، أَو لَهُ عَقلٌ قَاصِرٌ كَالصَّغير: إِِنه لا يجب عَليهُِ شيءٌ يَفعَلُهُ.
ولما كَانَ الصَّغِيرُ لَه عَقْل صَحت عِبَادَاتهُ إِذَا كان مميزًا؛ لَوُجُود العَقلِ الَّذِي يَنْوِي بهِ.
- واختص الحج وَالْعَمْرَة بصحَّتِه ممن دُونَ التَّميِيزِ وَيَنْوِي عَنْه وَليُّهُ.
وَأَمَّا الزكَاةُ فَلا يُشْتَرَطُ لَهَا التَّكْلِيف عند جمهور العلماء: مالك والشافِعي أَحْمَدُ.
وَهُوَ ظَاهِرُ النصوص الشرعيَّةِ.
وظاهرُ الْمنْقُول عَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهِ عَنهُم.
والسَّبَب: أَن الزكَاةَ عِبَادَةٌ ماليَّةٌ محضَة متعلِّقَة بالمالِ؛ فَوَجِبْت في مالِ الصّغِيرِ، ومَال الْمَجْنُون المسلِمِ.
كما يجب في مَالِهِ: نَفَقَةُ مَنْ تَلزَمُهُ نفقته، وهَذِه حكمَةٌ مُنَاسِبَةٌ.
وتشترك أيضًا الأرْبع في: لزومِ النِّيَّةِ. لحديث: « إنما الأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ ».
فلا تَصِحُّ: صَلاة وَلا زَكَاة ولا صيام ولا حج إلاّ بنية تَقَعُ مِنَ الفَاعِلِ لها تَتَقَدَّم عَلَيهَا.
إلاّ أَن الْمَجْنُون والصَّغِيرَ يَنْوِي الزكَاةَ عَنهُمَا وَلِيّهُمَا.
وَكَذَلِكَ يَنْوِي الحج عن مَنْ لَم يميز وليه.
وتشترك الصَّلاةُ والصِّيَامُ بِوُجُوبِهِمَا عَلَى الأَحرارِ والعَبِيدِ المكَلّفِيْنِ:
بخلافِ الزكَاةِ وَالْحج؛ فَإِنَّهُمَا يختصَّانِ بالأَحرَارِ.
وَالسَّبَب في ذَلِكَ: أَنَّهُ تَقَدّم أَن القُدرَةَ شَرط في الجميعِ، والزكَاةُ والحج عماد القُدرَةِ فيهمَا المالُ.
والعَبدُ المملوكُ لا مَالَ له فهُو كالفَقِيرِ المعسِرِ.
وكذَلِكَ العِبَادَاتُ الماليَّةُ: لا تجب على الأرقاء لِهَذَا السَّبَب.
فَصَارَتِ الحريةُ شَرْطًَا في: الزكاةِ وَالَْحجْ فَقَطْ.
ومِنَ الشُّرُوطِ المشتَرَكَةِ بَين الأَربعِ كُلِّها: الْوَقْت.
وَإِنَّهَا كُلَّهَا لا تَلزَمُ إلاّ بِدُخُول وقتِهَا.
وَالْوَقْت يختَلِفُ بِاخْتِلاف هَذه العِبَادَاتِ.
فأوقَاتُ الصِّلْوَات الخمسُِ: الظُّهْر، والعَصرُ، وَالمغرِبُ، وَالعشَاءُ، والفَجرُ. لا تَلزَمُ إلاّ بِدُخُولِهَا، ولا تَصِحّ إلاّ بِدُخُولِهَا.
فَالظَّهْر: مِنَ الزوَالِ إِلَى مصيرِ الفَيءِ مِثلهُ بَعدَ فَيْءِ الزوَالِ.
والعصرُ: مِن مَصِيرِه مثله إِلَى مثليه؛ عَلَى الْمَذْهَب.
وعَلَى الصَّحيح: إِلَى اصفِرَارِ الشمس ِ.
والمغرِبُ: مِنَ الغُرُوبِ إِلى مَغِيبِ الْحُمْرَة.
وَالعشَاءُ: من مغيب الحمرَة إِلَى ثُلُثِ الليلِ؛ عَلَى الْمَذْهَب.
أَو نَصْفه عَلَى الصَّحِيح.
والفجرُ من طُلُوعه إِلَى طُلُوع الشَّمْس.
والزَّكَاةُ: لا تَلزَمُ إلاّ بدخولِ وقتِهَا.
وهُوَ: تمامُ الحولِ في جَمِيعِ الأَمْوَال الزَّكُويَة إلاّ العشراتِ فوقتهَا حَصَادُهَا وجُذَاذُهَا.
كما قال تعالى: {وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141 ].
ولكنَّهُ يَجوز تقديمها قَبلَ ذَلِكَ حَيثُ وُجِدَ السَّبَب.
والصِّيَامُ: صِيَامُ رَمَضَانَ لا يلزَمُ.
ولا يَصِحُّ إلاّ بمجيء رَمَضَان.
والحجَّ: لا يُلزَمُ وَلا يَصِح إلاّ بُوقَته؟ الْحج أشْهرٌ مَعْلُومَاتٍ؟، بخلاف العُمرَةِ فإنَّها تَصِح كل وقت.
وممَّا تختص به الصَّلاة مِنَ الشّرُوطِ:
الطَّهَارَةُ مِنْ الْحَدَث، وَالْخَبَث.
ويشاركها في هذين من جزئيَّاتِ الحَجِّ:
1 - الطَّوَافُ فقط.
2- وسَتْرُ العورَةِ.
3- واستقبَالُ القِبلَةِ.
4- واجتِنَابُ النَّجَاسَةِ في البَدَنِ، وَالثَّوْب، وَالْبِقْعَة.
فالحاصِلُ أنّهَا اشتَرَكَتْ في أربعة أشياءَ:
1 - الإِسلامُ.
2 - وا لقُدرَةُ.
3 - وَالنِّيَّةُ.
4 - وَالْوَقْت.
واشتَرَكَتْ مَا سُوَى الزكاة بـ: التَّكلِيفِ.
واشْتَرَكَتِ الزَّكَاةُ والحجُّ: باشتِرَاطِ الحُرَّيةِ.
واختَصتِ الصَّلاةُ: بالبَقِيَّةِ.
لِشَرَفِهَا، وفَضْلِهَا، وَاعتِنَاءِ الشارع بِهَا، واللَّهُ أَعْلَم.